زنوبيا
كانت زنوبيا زوجة اودنائس الذي كان أميرا مطماعاً، غير ان ابن أخيه ذبحه لسبب مجهول في وسط غزواته فانتقمت زنوبيا لزوجها، ولما كان أولادها الثلاثة صغارا ولا يصلحون لتولي الحكومة، فقد حكمت في أول الأمر باسمهم ثم أعلنت نفسها بعد ذلك ملكة على مقاطعات زوجها ووضعت تاج الملك.
ويقال أن «زنوبيا» كانت في جمال «كليوبترا» الا أنها تفوقها في الخلق والحمية، وكان ذكاؤها نادراً، وكانت تتحدث اللاتينية، واليونانية، والمصرية، ومشهورة بشجاعتها ودهائها وبأسها، فكانت تتبع زوجها في الصيد ولا ترهب الحيوانات المفترسة أسدا كان أو نمرا ولما حكمت البلاد اتسم حكمها بالعدل وعاملت الرعية بالرحمة.
وأضافت زنوبيا الى ممتلكات زوجها بلاد مصر فأصبحت مملكتها تمتد من الفرات الى البحر الأبيض المتوسط بما في ذلك القدس وانطاكية ودمشق. ولم يرض أمبراطور روما ان يعترف بها ملكة على ولايات زوجها؛ فبعث اليها بجيش مرة بعد مرة فكانت تهزمه في كل مرة شر هزيمة.
وحين صار «أورليان المفترس» امبراطورا على روما أغضبه تجرؤ امرأة على مخالفة روما ، فحوّل جيشا كبيرا الى هذه الملكة، وأرسل اليها رُسله يطلبون منها الإذعان فرفضت بشجاعة وقالت لهم «استمعوا الي وكما تسمعون انقلوا القول الى موفدكم، قولوا له اني كيفما أكون فقد كنت، وان الامبراطورية التي رفعتني الى العرش قد صاغها زوجي معي، انها ليست منحة ولكنها ميراث وغزو وتملك، ولو تخلى مرسلكم عن ممتلكاته او بعضها لمجرد السؤال سأتخلى عن مصر وعن شواطئ البحر الابيض المتوسط، قولوا له اني كما عشت ملكة، فان شاء الله سأموت ملكة».
وصرفت رسله ولم تنتظر حتى يأتي امبراطور الغرب الى بلادها فسارعت الى لقائه واصطدمت معه في معركتين عظيمتين قادت فيها الجيوش بنفسها ولكنها هزمت في الموقعتين، واضطرت للعودة الى حدود «يالميرا» وهناك أقامت تحصينات مهمة وعادت فنازلت «أورليان» من بروجها فهزمته في أول المعركة الا انه فرض الحصار على المدينة فلم تستطع الصمود، وفكرت الملكة في الفرار لتطلب المساعدة من الجوار حتى تستطيع انقاذ بلادها، وأخذت في تنفيذ الفكرة فامتطت جوادا وطارت به حتى وصلت الى شواطئ الفرات ولكنه اقتفى أثرها وأخذت أسيرة.
وقد اختلف المؤرخون في حياتها بعد الأسر، فقال بعضهم إنها قتلت نفسها جوعاً في عام260 للميلاد، حتى لا ترى بعينها مصرعها، ومصرع بلادها، وقال بعضهم ان الامبراطور وهبها داراً وحديقة عاشت فيها معززة مكرمة، وزوجت بناتها من اشراف العائلات الرومانية وصار ابنها الأصغر ملكا على
جزء من أرمينيا.